لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة
جاء في رحلة ابن الصلاح وتاريخ ابن النجار في ترجمة يوسف بن علي بن محمد الزنجاني الفقيه الشافعي قال: حدثنا الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله، عن القاضي الإمام أبي الطيب أنه قال: كنا في حلقة النظر بجامع المنصور ببغداد، فجاء شاب خرساني يسأل عن مسألة المصرَّاة، ويطلب الدليل، فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين وغيرهما، فقال الشاب، وكان حنفياً: أبو هريرة غير مقبول الحديث؛ قال القاضي: فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فهرب الناس، وتبعت الشاب دون غيره، فقيل له: تب؛ فقال: تبت؛ فغابت الحية ولم يبق لها أثر.
قال ابن الصلاح: هذا إسناد ثابت، فيه ثلاثة من صالحي أئمة المسلمين: القاضي أبو الطيب الطبري، وتلميذه أبو إسحاق، وتلميذه أبو القاسم الزنجاني.
قلت: صدق الحافظ ابن عساكر من أن لحوم العلماء من الصحابة مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحاب محمد وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنني ما أطلقت للساني العنان، ولبناني البيان، إلا بعد أن رأيت أمرا منكرا، بين الناس قد استشرى وهو القدح في علماء هذه ألأمه وورثة نبيها صلى الله عليه وسلم، فترى الجهول الرويبضة يقدح في علماء الأمه، ويذم فضلائها ويكفر أعلامها، ويتقعر ويتفيقه ويدير الكلام على لسانه دوران الحمار بالرحى، وترى الدهماء له منصتون، وبهذره معجبون وببذاءة لسانه مفتونون، فرأيت أن أرد عليه وعلى أمثاله بما يلجم لسانه، ويفحم بيانه، ويزلزل أركانه، ويهدم بنيانه -إن شاء الله-، سائلا المولى عز وجل أن يجعل عملي هذا لوجهه خالصا وان لا يجعل لأحد فيه شيئا، والله الهادي وعليه توكلي واعتمادي.
الموالاة في الله
لا يختلف مسلمان في الإقرار بوجوب موالاة المسلمين بعضهم بعضا، موالاة تآخ وتحاب وتراحم وتناصر، قال تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) (1). وعلماء المسلمين أحق الناس بالموالاة، فهم المؤتمنون على دين هذه الأمة الذي هو عصمة أمرها ومصدر قوتها وسؤددها، وقد مدحهم الله في كتابه العزيز بقوله: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) (2).
وبين الله عز وجل مكانة العلماء وفضلهم بقوله: ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (3)، وهل يستوي الأعمى والبصير؟!
روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر، العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ) (4).
فالعلماء أولياء الله عز وجل، من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى مولاهم، كما ورد في الحديث القدسي: ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) (5)، فما بالكم بمن كان خصما لله تعالى. بمن يستعين؟ وأين يلتجأ، وقد روى الخطيب البغدادي عن الإمامين أبي حنيفة والشافعي قولهما: ( إن لم يكن الفقهاء أولياء الله، فليس لله ولي ).