عيـــــساوي للمعـلــومــــــات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


معلومات عامه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 7 أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hirochima_no
وسام فضي
وسام فضي
hirochima_no


عدد المساهمات : 1034
تاريخ التسجيل : 22/03/2008
العمر : 44
الموقع : عيساوي للمعلومات

7  أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه Empty
مُساهمةموضوع: 7 أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه   7  أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 17, 2010 4:57 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

اما بعد



بعد أن حاول أعداء السنة التشكيك في عدالة
الصحابة ، كخطوة أولى لتمهيد السبيل ، وفتح الباب للطعن والتشكيك في
أفرادهم وآحادهم - طالما أن عدالتهم وديانتهم قد سقطت - ، جاءوا إلى بعض
الصحابة الذين عرفوا بكثرة الحديث والرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- فوجهوا سهام النقد إليهم ، ورموهم بكل نقيصة ، سعياً منهم إلى نزع الثقة
فيهم ، وبالتالي إهدار جميع مروياتهم ، وعدم اعتبار أي قيمة لكتب السنة
التي أخرجت هذه الأحاديث ، وأجمعت الأمة على تلقيها بالقبول ، وهذا هو ما
يريدون التوصل إليه .



ولا يوجد أحد من الصحابة تعرض لحملات جائرة مسعورة ،
بمثل ما تعرض له الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ،



وهي حملات ليست جديدة في الحقيقة ، فقد أطلق بعض
أهل الأهواء ألسنتهم فيه منذ القدم لتسويغ بدعتهم وانحرافهم ، فنقل الإمام
ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث " ، الكثير مما رمي به أبو هريرة
في القديم من قبل النظَّام و الإسكافي وأمثالهما من أهل البدع والأهواء
الذين لهم مواقف معروفه من أكثر الصحابة ، حتى جاء بعض المستشرقين من
أمثال " جولد زيهر " ، فوقعوا على أقوال المتحاملين فأخذوا وزادوا ،
وأبدؤوا وأعادوا ، ثم طلعوا علينا بآراء مبتسرة وأحكام جائرة ، تلقفها بعض
أبناء جلدتنا فأعادوا صياغتها وتعليبها ، وقدَّموها للناس على أنها حقائق
علمية ، ونتائج موضوعية لم يسبق التوصل إليها .



فأما " أحمد أمين " فقد وزع طعونه على أبي هريرة في مواضع متفرقة من " فجر
الإسلام " ، وكان حديثه عنه حديث المحترس المتلطَّف المحاذر من أن يجهر في
حقه بما يعتقده من سوء ، ولكن أسلوبه ، وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي
هريرة ، وحرصه على التشكيك في صدقه ، وادعاء شك الصحابة فيه ، والتركيز
على عرض الأمور التي يسيء ظاهرها لأبي هريرة ، وإغفال الجوانب الأخرى التي
تبين مكانته بين الصحابة والتابعين ، وأئمة الحديث ، وثناءهم عليه ،
وإقرارهم له بالصدق والحفظ والإتقان ، مما هو ألصق وأشد تعلقاً بموضوع
البحث أكثر من أي شيء آخر ، كل ذلك أبان قصده ، وكشف الستار عن مراده .



وأما " أ بو رية " - عامله الله بما يستحق - فقد
كان أفحش ، وأسوأ أدباً من كل من تكلم في حق أبي هريرة من المعتزلة
والرافضة ، والمستشرقين قديماً وحديثاً ، مما يدل على سوء نية وخبث طوية ،
حيث عرض لترجمته في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " ، فيما يربو على
خمسين صفحة لم يدع منقصة ، ولا مذمة إلا ألصقها به ، وألف كتاباً مستقلاً
ضمنه كل إفك وبهتان ، وملأه بكل جارح من القول ، وتهجم فيه على أبي هريرة
وغيره من الصحابة ، ورماهم بالكذب والاختلاق ، وسمى كتابه " شيخ المضيرة
أبو هريرة " ، وهو عنوان يقطر حقداً وسخرية وتنقصاً لصحابة رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الكتاب يرجع إليه ويعتمد عليه كل من لا خلاق
له ممن يطعن في الصحابة ويسبهم ، وتدور مطاعنه ، في احتقاره ، وازدراء
شخصيته ، واتهامه بعدم الإخلاص في إسلامه ، وعدم الصدق في حديثه عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وحبه لبطنه وللمال ، وتشيعه لبني أمية إلى
غير ذلك من الإفك والبهتان .



وسنعرض لشيء من هذه المطاعن على جهة الإشارة ، لا
على جهة الحصر والاستقصاء ، والوقوف عند التفصيلات والأمثلة ، فذلك أمر
يطول ، وقد كفانا مؤنة ذلك الأئمة والعلماء الذين قيضهم الله عز وجل
للدفاع عن هذا الصحابي الجليل ، فردوا كل ما قيل في حقة من مطاعن
وافتراءات ، وكشفوا نوايا هؤلاء المغرضين ، وبينوا الحق من الباطل ،
وميزوا الطيب من الخبيث ، في بحوث ودراسات علمية معروفة ومتداولة ، قائمة
على النزاهة في البحث ، بعيدة كل البعد عن الهوى والعصبية ، ويمكن لكل
طالب حق أن يرجع إليها ، ليعرف شهادة التاريخ الصادق ، ورأي صحابة رسول
الله ، وعلماء التابعين ، وأئمة المسلمين ، في هذا الصحابي الجليل ،
ويقارن بعد ذلك بين هذه الصورة المشرقة ، وبين الصورة التي أراد هؤلاء أن
يظهروه بها .



فقد غضوا من شأنه ، وطعنوا في أصله ونسبه ، مدعين
أنه لم يكن معروفاً في أوساط الصحابة ، وأنه كان غامض الحسب ، مغمور النسب
، ولم يعرف إلا بكنيته ، بدلالة أن الناس اختلفوا في اسمه واسم أبيه
اختلافاً كثيراً ، مع أن الخلاف لا يتجاوز عند التحقيق ثلاثة أقوال كما
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ونحن نجد عشرات الصحابة اختلف في أسمائهم
إلى أكثر من ذلك ، وكثير منهم إنما اشتهروا بكناهم لا بأسمائهم ، فلماذا
هذا التشويش بالذات على أبي هريرة رضي الله عنه ، ومتى كان الاختلاف في
اسم الرجل يشينه أو يسقط من عدالته ؟؟.



وزعموا أنه كان مغموراً ، لم يذكر في طبقات الصحابة ، وليست له أي فضيلة
أو منقبة ، مع أن المعروف من ترجمته أنه كان ممن هاجر بين الحديبية والفتح
في العام السابع من الهجرة ، وأنه صاحَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
، ولازمه ما يربو على ثلاث سنين ، ويكفيه ذلك فضلاً وشرفاً، وقد دعا النبي
- صلى الله عليه وسلم - له ولأمه أن يحببهما إلى عباده المؤمنين كما في
الصحيح ، وكان عريف أهل الصفة ، وهم أضياف الإسلام ، وأحباب النبي عليه
الصلاة والسلام ، وقد ذكره الإمام مسلم فيمن لهم فضائل من الصحابة ، وعقد
له الإمام النووي باباً في شرحه على مسلم ، وذكر الحاكم في مستدركه جملة
صالحة من مناقبه استغرقت بضع صفحات ، وأما البخاري فهو وإن لم يعقد له
ترجمة خاصة ، لكنه ذكر فضائله ضمن أبواب كتابه ، ومنها كتاب العلم .



وطعنوا في صدقه وديانته ، وأنه إنما أسلم حباً
في الدنيا لا رغبة في الدين ، وهي دعوى يكذبها كل من يطالع سيرته وترجمته
، وما كان عليه رضي الله عنه ، من التقشف والانقطاع إلى العلم والعبادة ،
وتبليغ أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - .



ثم بحثوا عن كل عيب يمكن إلصاقه به ، حتى ولو كان من الأمور التي لا يعاب المسلم بها ، ولا تعلق لها بالحديث والرواية .

فعيروه بفقره وجوعه ، ومتى كان الفقر عيباً يعير به الإنسان إلا في منطق المتعالين المتكبرين ؟!

وعيروه بأميته ، وهل كانت أمية الصحابي سبباً للطعن فيه في أي عصر من عصور
الإسلام ؟!حتى تذكر من جملة المطاعن ، ونحن نعلم أن الكتبة من الصحابة
قليل لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .





وجعلوا من لطافة أخلاقه ، وطيب معشره مدخلاً
للنيل منه ، فوصفوه بأنه كان مزاحاً مهذاراً ، مع أنه خلق أكرمه الله به ،
وحببه به إلى الناس ، ومتى كان المزاح المباح ، والتلطف إلى الناس والتودد
إليهم خلقاً معيباً عند كرام الناس ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم
- أحسن الناس خلقاً ، ومع ذلك كان يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً ، وكذلك
كان الصحابة رضي الله عنهم ، فما هو الحرج في المزاح إذا كان مباحاً لا
إسفاف فيه ، ولا إيذاء لأحد ، وفيه من المعاريض التي تدعو إلى إعمال الفكر
والنظر ، وكل الذي ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ، إنما هو من هذا القبيل
، وأما المزاح الساقط ، المشتمل على المجازفة ورديء القول والفعل ، فحاشا
وكلا أن يكون أبو هريرة مما عرف به .



ثم لماذا يركز على هذا الجانب فقط من ترجمة أبي
هريرة ، وتغفل الجوانب الأخرى التي عرف واشتهر بها بين الناس ورواها كل من
ترجم له ، أين هي أخبار عبادته وصيامه وقيامه ، وتسبيحه وأوراده ؟!، أين
هي أخبار كرمه وجوده ، وزهده وتقشفه وإعراضه عن الدنيا ؟! ، لماذا لا تذكر
هذه الأمور عند التعرض له ، لا شك أن وراء الأكمة ما وراءها .



ورموه أيضاً بعدم الفقه وقلة الفهم ، وهو محض افتراء على التاريخ ،
والواقع أنه كان من فقهاء الصحابة ، ومن كبار أئمة الفتوى ، كما يذكر ذلك
أهل التراجم والطبقات فقد ذكره ابن سعد أنه ممن كانوا يفتون بالمدينة منذ
مقتل عثمان إلى أن توفي رحمه الله ، وهذا يعني أنه مكث يفتي الناس على ملأ
من الصحابة والتابعين ثلاثة وعشرين عاماً ، وكان يعارض أجلاء الصحابة كابن
عباس في بعض المسائل ، وعده ابن حزم في فقهاء الصحابة ، وكذا الحافظ بن
حجر في الإصابة ، وجمع تقي الدين السبكي جزءاً في فتاوى أبي هريرة ، وقال
الإمام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " : أبو هريرة الدوسي اليماني ، الحافظ
الفقيه ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أوعية العلم ، ومن
كبار أئمة الفتوى ، مع الجلالة والعبادة والتواضع " أهـ ،



وعندما ذكر ابن القيم في " إعلام الموقعين "
المفتين من الصحابة ، وأنهم كانوا بين مكثر ومقل ومتوسط ، ذكر أبا هريرة
من المتوسطين مع أبي بكر الصديق ، و أبي موسى الأشعري ، و معاذ بن جبل ، و
جابر بن عبد الله ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فمن زعم بعد
ذلك أن أبا هريرة غير فقيه فهو العاري عن الفقه .



وقالوا : إنه لم يكن يكتب الحديث ، بل كان يحدث من ذاكرته ، مع أن ذلك شيء
لم ينفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ، بل هو صنيع كل من روى الحديث من
صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدا عبد الله بن عمرو بن العاص
فقد كانت له صحيفة يكتب فيها .



وادعوا كذلك أنه ، لم يكن يقتصر في تحديثه على
ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة ، بل كان يحدث عنه ،
بما أخبره به غيره ، واعتبروا ذلك منه تدليساً ، مع أن المعروف عند أهل
العلم أن رواية الصحابي عن الصحابي وإسناده إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم - لا تسمى تدليساً ، بل تسمى إرسالاً ، وقد أجمع أهل العلم على
الاحتجاج بمرسل الصحابي وقبوله ، وأن حكمه حكم المرفوع ، لأن الصحابي لا
يروي إلا عن صحابي مثله ، والصحابة كلهم عدول ، فكون أبي هريرة يرسل بعض
الأحاديث التي سمعها من غيره من الصحابة هذا أمر لا يعيبه ولا ينقص من
قدره ، ولا يختص به وحده ، فقد كان ذلك شأن كثير من الصحابة الذين لم
يحضروا بعض مجالسه - صلى الله عليه وسلم - إما لاشتغالهم ببعض أمور المعاش
، وإما لحداثة أسنانهم كابن عباس وغيره ، وإما لتأخر إسلامهم ، ويؤيد ذلك
قول أنس بن مالك رضي الله عنه : " ما كل ما نحدثكم عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - سمعناه ولكن لم يكذب بعضنا بعضاً " ، كما أن الأحاديث
التي أرسلها هي شيء يسير مقارنة بما سمعه مباشرة بدون واسطة ، وقد تتبع
الحافظ العراقي ما رواه عن غيره فجمع عشرين حديثاً فيها ما لا يصح .



وانتقدوا أيضاً كثرة أحاديثه - التي بلغت كما جاء في مسند بقي بن مخلد
5374- ، مع تأخر إسلامه حيث إنه لم يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا
ثلاث سنين ، مدعين أن بعض الصحابة قد انتقدوه على إكثاره ، وشكوا فيه .


وكل باحث متجرد يجزم بأن سبب هذه الكثرة إنما هي طول ملازمته للرسول - صلى
الله عليه وسلم - في جميع أحواله ، خلال هذه الفترة ، مع ما حباه الله من
قوة الحفظ والذاكرة ، ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، أضف إلى
ذلك تفرغه التام من الشواغل والصوارف ، فقد كان من فقراء الصحابة ومن أهل
الصفة ، ليس له أهل ولا ولد ولا مال ، وكان يلازم النبي - صلى الله عليه
وسلم - على ما يقيم به صلبه ، ولا شك أن المتفرغ للشيء ، المهتم به ،
المتتبع له ، يجتمع له من أخباره ، والعلم به في زمن يسير ، ما لا يجتمع
لمن لم يكن كذلك .





وبعد أن تفرق الصحابة في الأمصار على عهد الخلفاء
الراشدين ، رأى أن من الواجب عليه ، أن يبلغ ما حفظه عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - إلى أمته ، وخاف عاقبة الكتمان إن هو امتنع عن التحديث ،
فتفرغ للعلم والرواية والتحديث ، وكان من الطبيعي أن يثير إكثار أبي هريرة
من الحديث استغراب بعض التابعين ، ولكن ما أن يبين لهم سبب ذلك ، حتى يزول
هذا الاستغراب والدهشة ، فقد جاء في الصحيحين عن سعيد بن المسيب أن أبا
هريرة رضي الله عنه قال : يقولون : إن أبا هريرة قد أكثر ، والله الموعد ،
ويقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه ، وسأخبركم عن
ذلك : إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أَرَضيهم ، وإن إخواني من
المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وكنت ألزم رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - على ملء بطني ، فأشهد إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ، ولقد قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما : ( أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي
هذا ثم يجمعه إلى صدره فإنه لم ينس شيئا سمعه ) ، فبسطت بردة علي ، حتى
فرغ من حديثه ، ثم جمعتها إلى صدري ، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني
به ، ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا : {إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب
أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون *إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا
فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم }( البقرة 159- 160) .



ولا يوجد أبداً نص ثابت يفيد بأن الصحابة رضي الله
عنهم شكوا فيه ، أو صرحوا بكذبه ، أو منعوا من الاستماع إليه ، بل نصوص
التاريخ الثابتة ، كلها تقطع بإقرار الصحابة له بالحفظ ، واعترافهم بأنه
كان أكثرهم اطلاعاً على الحديث ، وربما استغرب أحدهم بعض أحاديثه ، ولكنه
لا يلبث إلا أن يسلم له ، ويقبل منه ، ويعترف بإحاطته وحفظه .



ذكر ابن سعد في الطبقات أن أبا هريرة رضي الله عنه
حدَّث ذات مرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث ( من شهد جنازة فله
قيراط ) ، فقال ابن عمر : " انظر ما تحدث به يا أبا هريرة فإنك تكثر
الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة ،
فقال : أخبريه كيف سمعتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ،
فصدَّقَت أبا هريرة ، فقال أبو هريرة : يا أبا عبد الرحمن والله ما كان
يشغلني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرس الوَدِيِّ ، ولا الصفق
بالأسواق ، فقال: ابن عمر : " أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وأحفظنا لحديثه " وأصله في الصحيح .



وأخرج ابن كثير في تاريخه عن أبي اليسر عن أبي عامر
قال : كنت عند طلحة بن عبيد الله ، إذ دخل رجل فقال : يا أبا محمد ، والله
ما ندرى هذا اليماني أعلم برسول الله منكم ؟ أم يقول على رسول الله ما لم
يسمع ، أو ما لم يقل ، فقال طلحة : " والله ما نشك أنه قد سمع من رسول
الله ما لم نسمع ، وعلم ما لم نعلم ، إنا كنا قوماً أغنياء ، لنا بيوتات
وأهلون ، وكنا نأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار ثم نرجع
، وكان هو مسكيناً لا مال له ولا أهل ، وإنما كانت يده مع رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وكان يدور معه حيث دار ، فما نشك أنه قد علم ما لم نعلم
، وسمع ما لم نسمع " وقد رواه الترمذى أيضاً .



كل ذلك يؤكد على أن صدق أبي هريرة لم يكن أبداً محل نزاع أو شك عند الصحابة ولا من بعدهم من التابعين .


وأما ما ورد من أن عمر نهاه عن التحديث ، وقال له
: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس " ، فإنه على افتراض
صحة هذه الرواية ، فقد كان ذلك في ظرف معين ، فعندما رأى أبو هريرة رضي
الله عنه أن من الواجب عليه أن يحدث الناس بما سمعه من رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - خروجاً من إثم كتمان العلم ، ألجأه ذلك إلى أن يكثر من
رواية الحديث ، فربما سرد في المجلس الواحد الكثير من الأحاديث ، وكان عمر
رضي الله عنه ، يرى أن يشتغل الناس بالقرآن ، وأن يقلوا الرواية عن رسول
الله في غير أحاديث العمل ، وأن لا يحدث الناس بأحاديث الرخص لئلا يتكلوا
عليها ، إلى غير ذلك من الأمور ، ومن أجل ذلك قال لأبي هريرة ما قال ،
لأنه كان أكثر الصحابة رواية للأحاديث ، فلم يقل ذلك تكذيباً له ولا شكاً
في حديثه - وقد ذكر هذا التوجيه الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية
والنهاية - ، كما ذكر أنه أذن له في التحديث بعد ذلك . انظر سير أعلام
النبلاء (2/601).



وهذا التوجيه إنما هو على فرض صحة هذه الرواية وثبوتها ، ولكن دون ذلك -
كما قال المعلمي في الأنوار الكاشفة - مفاوز وقفار تنقطع فيها أعناق المطي
، وقد ذكر ما يثبت عدم صحة الخبر .


وأما ما يروونه من أن عمر رضي الله عنه ضربه
بالدرة ، وقال له : " أكثرت يا أبا هريرة من الرواية ، وأَحْرِ بك أن تكون
كاذباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكل ذلك كذب مفضوح ، لا
يوجد في أي مصدر معتمد ، وإنما هي أخبار مستقاة من مصادر أقل ما يقال عنها
، إنها مصادر غير معتمدة في البحث العلمي ، ككتب الأدب التي تروي التالف
والساقط من الأخبار ، أو كتب أهل الأهواء التي عرف أصحابها ببغض أبي هريرة
والافتراء عليه ، وليس لها أي قيمة علمية .



إذاً فإكثار أبي هريرة من الرواية كان مرجعه إلى
طول الملازمة ، وعدم الشواغل ، والتفرغ للعلم والتعليم والفتيا ، وتأخر
الوفاة ، وعدم الاشتغال بشؤون الحكم والولاية ، فهل يجوز بعد ذلك أن تتخذ
كثرة روايته ، وحفظه للحديث مجالاً للطعن في صدقه وأمانته ؟!.



ولم تقف مطاعنهم عند هذا الحد ، فقد افتروا عليه بأنه كان متشيعاً لبني
أمية ، يأخذ من معاوية الأعطيات من أجل وضع الأحاديث في ذم علي رضي الله
عنه ، مع أن التاريخ والروايات والأخبار كلها تشهد بأن أبا هريرة رضي الله
عنه كان محباً لآل البيت ، يعرف قدرهم ومكانتهم من رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ولم يناصبهم العداء قط ، وهو الذي روى الكثير في مناقبهم
وفضائلهم ، وبوجه خاص فضائل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ومن أشهرها
حديث الراية يوم خيبر ، وروى في فضائل الحسن و الحسين أكثر من حديث ، وهو
الذي كشف عن بطن الحسن رضي الله عنه ، وقال : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم يقبل - ، وكان أبو هريرة رضي الله عنه ممن نصر
عثمان يوم الدار كما نصره علي وابنه الحسن و الحسين .




بل إن الروايات التاريخية الصحيحة تدل على أنه
رضي الله عنه كانت له مواقف صلبة مع بعض الولاة من بني أمية كما في موقفه
مع مروان بن الحكم - الذي كان والي المدينة آنذاك ، فقد اصطدم معه حين
تدخل مروان في منع دفن الحسن عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأغلظ له
في الكلام قائلاً : " تدَخَّلُ فيما لا يعنيك " ، ولما أراد أن يتخذ مروان
من إكثار أبي هريرة للحديث ، سبيلاً إلى إسكاته أجابه بجواب صريح قوي ،
حتى تمنى مروان أنه لم يكن أثاره ، وكانت بينهما وحشة استمرت إلى قرب وفاة
أبي هريرة ، وكان مما قاله : " إنى أسلمت وهاجرت اختياراً وطوعاً ، وأحببت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حباً شديداً ، وأنتم أهل الدار ، وموضع
الدعوة ، أخرجتم الداعى من أرضه ، وآذيتموه وأصحابه ، وتأخر إسلامكم عن
إسلامي إلى الوقت المكروه إليكم ، فندم مروان على كلامه له واتقاه " .



وروى البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن
سعيد قال أخبرني جدي قال : كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي - صلى
الله عليه وسلم - بالمدينة ومعنا مروان قال أبو هريرة : سمعت الصادق
المصدوق يقول : ( هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش ) وفي رواية ( غلمة
سفهاء ) ، فقال أبو هريرة : " لو شئت أن أقول بني فلان ، وبني فلان لفعلت
، وكان ذلك كما قال الحافظ في الفتح في زمن معاوية رضي الله عنه ، وفي ذلك
تعريض ببعض أمراء بني أمية .



بل روي عنه ما هو أصرح من ذلك مما يدل على شجاعته ، وعدم مداهنته ، فثبت
عنه أنه كان يتعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان ، ويشير إلى خلافة
يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين للهجرة ، واستجاب الله دعاء أبي هريرة
فمات قبلها بسنة ، كما ذكر ذلك الحافظ بن حجر في الفتح .


ولكنه مع ذلك كله كان منصرفاً إلى بث السنة وخدمة العلم ، أبى أن يخوض في
الفتنة التي وقعت بين علي و معاوية رضي الله عنهما ، كما أبى أن يخوضها
عدد من كبار الصحابة ، اجتهاداً منهم بأن هذا هو الموقف الأسلم ، والأبرأ
للذمة .





فهل هذه مواقف رجل متهم في دينه وإسلامه ، متشيع لبني أمية كما يريد أن يصوره الأفاكون المبطلون ، عليهم من الله ما يستحقون .


ومما شغب به أهل الأهواء على أبي هريرة حديث الوعائين ، وهو حديث أخرجه
البخاري عنه وفيه يقول : " حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ".
فقالوا لو صح لترتب عليه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كتم
شيئاً من الوحي عن جميع الصحابة سوى أبي هريرة وهذا لا يجوز بإجماع
المسلمين ، وكيف يخص أبا هريرة بعلم ، دون سائر الصحابة ممن هم أرفع منه
منزلة وقدراً .



وقد أجاب أهل العلم عن المقصود بهذا الحديث
فقالوا : المراد بالوعائين نوعان من الأحاديث التي تلقاها عن النبي - صلى
الله عليه وسلم- ، فأما النوع الأول : فهو ما يتعلق بأحاديث الأحكام
والآداب والمواعظ ، وهذا هو الذي بلَّغه خشية إثم الكتمان ، وأما الآخر
فهو ما يتعلق بالفتن والملاحم وأشراط الساعة ، وما سيقع للناس ، والإشارة
إلى ولاة السوء ، مما لا يتوقف عليه شيء من أصول الدين أو فروعه ، فهذا هو
الذي آثر ألا يذكر الكثير منه حتى لا يكون فتنة للسامع ، أو يسبب له
التحديث به ضرراً في نفسه أو ولده أو ماله .



ولعل مما يؤكد ذلك رواية ابن سعد في الطبقات
والتي يقول فيها : " لو حدَّثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر ، فقال
الحسن : " صدق والله ، لو أخبرنا أن بيت الله يهدم ويحرق ما صدقه الناس " .



وهذا هو الذي ذكره أهل العلم في توجيه هذا الأثر ، قال الإمام ابن كثير في
" البداية والنهاية " : " وهذا الوعاء الذي كان لا يتظاهر به ، هو الفتن
والملاحم ، وما وقع بين الناس من الحروب والقتال ، وما سيقع ، التي لو
أخبر بها قبل كونها ، لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه ، وردوا ما أخبر به
من الحق " أهـ .



وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري "
: " وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي
أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح
به ، خوفا على نفسه منهم ، كقوله : " أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة
الصبيان " ، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية ، لأنها كانت سنة ستين من
الهجرة ، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة ..... ثم قال : "
ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة ، لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه
كتمانها ، لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم
، وقال غيره : " يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط
الساعة ، وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان ، فينكر ذلك من لم يألفه ،
ويعترض عليه من لا شعور له به " أهـ .
وأيا كان تأويل الحديث فليس فيه ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه بشيء من ذلك دون غيره من الصحابة .



كل ذلك نموذج لما قيل في هذا الصحابي الجليل ،
وهو يكاد يرجع في أصوله ومعناه إلى ما قاله الأقدمون من أهل الأهواء ،
بفارق واحد كما قال العلامة " أحمد شاكر " أن أولئك الأقدمين - زائغين
كانوا أو ملحدين - كانوا علماء مطلعين ، أكثرهم ممن أضله الله على علم ،
وأما هؤلاء المعاصرون فليس إلا الجهل والجرأة وترديد ألفاظ لا يفهمونها ،
بل هم فيها مقلدون متبعون لكل ناعق .



وقد تعرض الحاكم رحمه الله في المستدرك لكل من تكلم في أبي هريرة رضي الله
عنه ، وجعلهم أصنافاً ، وكأنما يرد على هؤلاء المعاصرين فقال رحمه الله :
" وإنما يتكلم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم ، فلا
يفهمون معاني الأخبار ، إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلاف
مذهبهم - الذي هو كفر - فيشتمون أبا هريرة ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه
عنه ، تمويهاً على الرعاع والسفل ، أن أخباره لا تثبت بها الحجة .


وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يرى طاعة
خليفة ولا إمام ، إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - خلاف مذهبهم الذي هو ضلال ، لم يجد حيلة في دفع أخباره
بحجة وبرهان ، كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة .


أو قدري اعتزل الإسلام وأهله ، وكفَّر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار
الماضية التي قدرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لها ، إذا نظر إلى
أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إثبات
القدر لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك ، كانت حجته عند نفسه
: أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها .


أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه ، إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما
يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه وأخباره ، تقليداً بلا حجة ولا برهان ، تكلم
في أبي هريرة ، ودفع أخباره التي تخالف مذهبه ، ويحتج بأخباره على مخالفيه
، إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه .


وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة أخباراً لم يفهموا معناها ، أنا ذاكر بعضها بمشيئة الله تعالى " أهـ .

ثم أخذ الحاكم يذكر بعض الأحاديث التي استشكلت من أحاديث أبي هريرة ويجيب عنها .












فهذه كلمة الحق في رواية الإسلام أبي هريرة رضي
الله عنه ، وهذا هو ما ذهب إليه أئمة الهدى ، وأعلام التقى ، وكبار فقهاء
الإسلام ومحدثيه ، وإن صحابياً يظل يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة
النبي - صلى الله عليه وسلم - على مرأى ومسمع من كبار الصحابة والتابعين ،
ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم ، لا يعرف أن أحداً من الصحابة
بلغ مبلغه في الآخذين عنه ، وكلهم يجمع على جلالته والثقة به ، وينطوي على
ذلك تاريخ الإسلام أربعة عشر قرناً من الزمان ، وكلها شهادات حق وصدق في
أحاديثه وأخباره ، ليأتي اليوم من يشكك فيه ، ويزعم أن المسلمين جميعاً
أئمة وأصحاباً وتابعين ومحدثين كانوا مخدوعين فيه ، ولم يعرفوه على حقيقته
، وأنه كان يكذب ويفتري في الواقع ، فأي إزراء واستخفاف بعقول هذه الأمة
وعلومها ودينها أعظم من هذا ، وصدق الله : { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور }( الحج 46) .


_______________

المراجع :

- السنة ومكانتها في التشريع د.مصطفى السباعي .
- دفاع عن السنة د. محمد أبو شهبة .
- أبو هريرة راوية الإسلام د. محمد عجاج الخطيب .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية ، الأمين الصادق الأمين .
- الحديث والمحدثون محمد أبو زهو .
- المستشرقون والحديث النبوي د. محمد بهاء الدين .
- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني .



7  أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه Lailahajw8
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aissaoui.yoo7.com/profile.forum?mode=editprofile&page_p
 
7 أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه ...........
» بنات النبي صلى الله عليه وسلم السيدة زينب رضي الله عنها
» بكاء الألباني رحمه الله من موقف للنبي صلى الله عليه وسلم
» دفاعاً عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأصحابِه
» قصة بكى منها رسول الله حتى وكف دمع عينيه صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عيـــــساوي للمعـلــومــــــات :: القسم الاسلامى-
انتقل الى: